تفسير ابن كثر - سورة آل عمران - الآية 185

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) (آل عمران) mp3
يُخْبِر تَعَالَى إِخْبَارًا عَامًّا يَعُمّ جَمِيع الْخَلِيقَة بِأَنَّ كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت كَقَوْلِهِ تَعَالَى " كُلّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْه رَبّك ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام " فَهُوَ تَعَالَى وَحْده الَّذِي لَا يَمُوت وَالْجِنَّ وَالْإِنْس يَمُوتُونَ وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَة وَحَمَلَة الْعَرْش وَيَنْفَرِد الْوَاحِد الْأَحَد الْقَهَّار بِالدَّيْمُومَةِ وَالْبَقَاء فَيَكُون آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا وَهَذِهِ الْآيَة فِيهَا تَعْزِيَة لِجَمِيعِ النَّاس فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى أَحَد عَلَى وَجْه الْأَرْض حَتَّى يَمُوت فَإِذَا اِنْقَضَتْ الْعِدَّة وَفَرَغَتْ النُّطْفَة الَّتِي قَدَّرَ اللَّه وُجُودهَا مِنْ صُلْب آدَم وَانْتَهَتْ الْبَرِيَّة أَقَامَ اللَّه الْقِيَامَة وَجَازَى الْخَلَائِق بِأَعْمَالِهَا جَلِيلهَا وَحَقِيرهَا قَلِيلهَا وَكَثِيرهَا كَبِيرهَا وَصَغِيرهَا فَلَا يَظْلِم أَحَدًا مِثْقَال ذَرَّة وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُوركُمْ يَوْم الْقِيَامَة " قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيز الْأُوَيْسِيّ حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن أَبِي عَلِيّ الْهَاشِمِيّ عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ بْن أَبَى طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَتْ التَّعْزِيَة جَاءَهُمْ آتٍ يَسْمَعُونَ حِسّه وَلَا يَرَوْنَ شَخْصه فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ أَهْل الْبَيْت وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته " كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُوركُمْ يَوْم الْقِيَامَة " إِنَّ فِي اللَّه عَزَاء مِنْ كُلّ مُصِيبَة وَخَلَفًا مِنْ كُلّ هَالِك وَدَرَكًا مِنْ كُلّ فَائِت فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوا فَإِنَّ الْمُصَاب مَنْ حُرِمَ الثَّوَاب وَالسَّلَام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته قَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد فَأَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب قَالَ : أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا ؟ هَذَا الْخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَوْله " فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّار وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ " أَيْ مَنْ جُنِّبَ النَّار وَنَجَا مِنْهَا وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ كُلّ الْفَوْز قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن عَلْقَمَة عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَوْضِع سَوْط فِي الْجَنَّة خَيْر مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا اِقْرَءُوا إِنْ شُئِمَ " فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّار وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ " هَذَا حَدِيث ثَابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْر هَذَا الْوَجْه بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَة . وَقَدْ رَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة أَبُو حَاتِم وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو . هَذَا وَرَوَاهُ اِبْن مَرْدُوَيه مِنْ وَجْه آخَر فَقَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى أَنْبَأَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة أَنْبَأَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ عَنْ أَبِي حَازِم عَنْ سَهْل بْن سَعْد قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمَوْضِع سَوْط أَحَدكُمْ فِي الْجَنَّة خَيْر مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة " فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّار وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ " وَتَقَدَّمَ عِنْد قَوْله تَعَالَى " وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " مَا رَوَاهُ وَكِيع بْن الْجَرَّاح فِي تَفْسِيره عَنْ الْأَعْمَش عَنْ زَيْد بْن وَهْب عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد رَبّ الْكَعْبَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَح عَنْ النَّار وَيُدْخَل الْجَنَّة فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّته وَهُوَ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاس مَا يُحِبّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ " . وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ وَكِيع بِهِ وَقَوْله تَعَالَى " وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور " تَصْغِير لِشَأْنِ الدُّنْيَا وَتَحْقِير لِأَمْرِهَا وَأَنَّهَا دَنِيئَة فَانِيَة قَلِيلَة زَائِلَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة خَيْر وَأَبْقَى " وَقَالَ " وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْء فَمَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر وَأَبْقَى " . وَفِي الْحَدِيث " وَاَللَّه مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا كَمَا يَغْمِس أَحَدكُمْ أُصْبُعه فِي الْيَمّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِع إِلَيْهِ " وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْله تَعَالَى " وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور " قَالَ : هِيَ مَتَاع مَتْرُوكَة أَوْشَكَتْ وَاَللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أَنْ تَضْمَحِلّ عَنْ أَهْلهَا فَخُذُوا مِنْ هَذَا الْمَتَاع طَاعَة اللَّه إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الرزق أبوابه ومفاتحه

    الرزق أبوابه ومفاتحه: فإن الله - عز وجل - قسَّم الأرزاق بعلمه، فأعطى من شاء بحكمته، ومنع من شاء بعدله، وجعل بعض الناس لبعضٍ سخريًّا. ولأن المال أمره عظيم، والسؤال عنه شديد؛ جاءت هذه الرسالة مُبيِّنة أبواب الرزق ومفاتحه، وأهمية اكتساب الرزق الحلال وتجنُّب المال الحرام، والصبر على ضيق الرزق، وغير ذلك من الموضوعات النافعة في هذه الرسالة.

    الناشر: دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/229614

    التحميل:

  • الصوم جنه

    الصوم جُنَّة : تحتوي هذه الرسالة على خمسة فصول بعد المقدمة، وهي كالآتي: الأول: النصوص المتعلقة بالصيام من القرآن العظيم. الثاني: تعريف الصيام، وتأريخ تشريعه. الثالث: فضائل الصيام وأسراره، وخصائص رمضان. الرابع: أنواع الصيام. الخامس: أحكام ومسائل مهمة متعلقة بالصيام. - قدم لهذه الرسالة: فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - حفظه الله -.

    الناشر: شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/166517

    التحميل:

  • لمحات في تربية البنات

    لمحات في تربية البنات: قال المصنف - حفظه الله -: «فلا يزال الأب الموفق والأم المسددة يحرصان على تربية بناتهم التربية الإسلامية التي تبرأ بها الذمة, وعندها تكون الابنة قريرة العين والوالدان يرفلان في سعادة الدنيا و الآخرة؛ فإن البنات حبات القلوب ومهج النفوس. ولقلة ما كتب من أمر تربيتهن مع أهميته ساق قلمي مستنيرًا بالكتاب والسنة مجموعة من الوصايا المختصرة وباقة من التوجيهات والملاحظات السريعة لعل الله أن ينفع بها».

    الناشر: دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/228672

    التحميل:

  • الصحوة الإسلامية .. ضوابط وتوجيهات

    الصحوة الإسلامية .. ضوابط وتوجيهات: قال المؤلف - رحمه الله -: «لا يخفى على الجميع ما منَّ الله به على الأمة الاسلامية في هذه البلاد وفي غيرها من الحركة المباركة, واليقظة الحية لشباب الإسلام, في اتجاههم الاتجاه الذي يكمّل به اتجاه السابق. هذا الاتجاه السليم الذي هدفه الوصول إلى شريعة الله من خلال كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. ولا شك أن هذه اليقظة وهذه الحركة - كغيرها من الحركات واليقظات الطيبة المباركة -سيقوم ضدها أعداء؛ لأن الحق كلما اشتعل نوره اشتعلت نار الباطل .. إن هذه الصحوة الإسلامية التي نجدها - ولله الحمد - في شبابنا من الذكور والإناث؛ هذه الصحوة التي ليست في هذه البلاد فحسب؛ بل في جميع الأقطار الإسلامية، إنها تحتاج إلى أمور تجعلها حركة نافعة بنَّاءة - بإذن الله تعالى -. وفيما يلي سأُبيِّن - مستعينًا بالله - هذه الأمور، وهذه الضوابط حتى تكون هذه الصحوة ناجحة ونافعة وبنَّاءة - بإذن الله تعالى -».

    الناشر: دار الوطن http://www.madaralwatan.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/354806

    التحميل:

  • رسالة في الدماء الطبيعية للنساء

    رسالة في الدماء الطبيعية للنساء: بحث يفصل فيه فضيلة الشيخ أحكام الدماء الطبيعية للنساء، وتنقسم الرسالة إلى سبعة فصول على النحو التالي : الفصل الأول: في معنى الحيض وحكمته. الفصل الثاني: في زمن الحيض ومدته. الفصل الثالث: في الطوارئ على الحيض. الفصل الرابع: في أحكام الحيض. الفصل الخامس: في الاستحاضة وأحكامها. الفصل السادس: في النفاس وحكمه. الفصل السابع: في استعمال مايمنع الحيض أو يجلبه، وما يمنع الحمل أو يسقطه.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/44936

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة