تفسير ابن كثر - سورة الرعد - الآية 2

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) (الرعد) mp3
يُخْبِر اللَّه تَعَالَى عَنْ كَمَالِ قُدْرَته وَعَظِيم سُلْطَانه أَنَّهُ الَّذِي بِإِذْنِهِ وَأَمْره رَفَعَ السَّمَوَات بِغَيْرِ عَمَد بَلْ بِإِذْنِهِ وَأَمْره وَتَسْخِيره رَفَعَهَا عَنْ الْأَرْض بُعْدًا لَا تُنَال وَلَا يُدْرَك مَدَاهَا فَالسَّمَاء الدُّنْيَا مُحِيطَة بِجَمِيعِ الْأَرْض وَمَا حَوْلهَا مِنْ الْمَاء وَالْهَوَاء مِنْ جَمِيع نَوَاحِيهَا وَجِهَاتهَا وَأَرْجَائِهَا مُرْتَفِعَة عَلَيْهَا مِنْ كُلّ جَانِب عَلَى السَّوَاء وَبُعْد مَا بَيْنهَا وَبَيْن الْأَرْض مِنْ كُلّ نَاحِيَة مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام وَسُمْكهَا فِي نَفْسهَا مَسِيرَة خَمْسمِائَةِ عَام ثُمَّ السَّمَاء الثَّانِيَة مُحِيطَة بِالسَّمَاءِ الدُّنْيَا وَمَا حَوَتْ وَبَيْنهمَا مِنْ بُعْد الْمَسِير خَمْسمِائَةِ عَام وَسُمْكهَا خَمْسمِائَةِ عَام . وَهَكَذَا الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة وَالْخَامِسَة وَالسَّادِسَة وَالسَّابِعَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " اللَّه الَّذِي خَلَقَ سَبْع سَمَوَات وَمِنْ الْأَرْض مِثْلهنَّ " الْآيَة وَفِي الْحَدِيث " مَا السَّمَوَات السَّبْع وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنهنَّ فِي الْكُرْسِيّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاة بِأَرْضٍ فَلَاة وَالْكُرْسِيّ فِي الْعَرْش الْمَجِيد كَتِلْكَ الْحَلْقَة فِي تِلْكَ الْفَلَاة " وَفِي رِوَايَة " وَالْعَرْش لَا يُقَدِّر قَدْره إِلَّا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ " وَجَاءَ عَنْ بَعْض السَّلَف أَنَّ بُعْد مَا بَيْن الْعَرْش إِلَى الْأَرْض مَسِيرَة خَمْسِينَ أَلْف سَنَة وَبُعْد مَا بَيْن قُطْرَيْهِ مَسِيرَة خَمْسِينَ أَلْف سَنَة وَهُوَ مِنْ يَاقُوتَة حَمْرَاء وَقَوْله " بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا " رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَغَيْر وَاحِد أَنَّهُمْ قَالُوا لَهَا عَمَد وَلَكِنْ لَا تُرَى وَقَالَ إِيَاس بْن مُعَاوِيَة السَّمَاء عَلَى الْأَرْض مِثْل الْقُبَّة يَعْنِي بِلَا عَمَد وَكَذَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَة وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بِالسِّيَاقِ وَالظَّاهِر مِنْ قَوْله تَعَالَى " وَيُمْسِك السَّمَاء أَنْ تَقَع عَلَى الْأَرْض إِلَّا بِإِذْنِهِ " فَعَلَى هَذَا يَكُون قَوْله " تَرَوْنَهَا " تَأْكِيدًا لِنَفْيِ ذَلِكَ أَيْ هِيَ مَرْفُوعَة بِغَيْرِ عَمَد كَمَا تَرَوْنَهَا وَهَذَا هُوَ الْأَكْمَل فِي الْقُدْرَة وَفِي شِعْر أُمَيَّة بْن أَبِي الصَّلْت آمَنَ شِعْره وَكَفَرَ قَلْبه كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيث وَيُرْوَى لِزَيْدِ بْن عَمْرو بْن نُفَيْل رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَأَنْتَ الَّذِي مِنْ فَضْل مَنّ وَرَحْمَة بَعَثْت إِلَى مُوسَى رَسُولًا مُنَادِيَا فَقُلْت لَهُ فَاذْهَبْ وَهَارُون فَادْعُوَا إِلَى اللَّه فِرْعَوْن الَّذِي كَانَ طَاغِيَا وَقُولَا لَهُ هَلْ أَنْتَ سَوَّيْت هَذِهِ بِلَا وَتَد حَتَّى اِسْتَقَلَّتْ كَمَا هِيَا وَقُولَا لَهُ أَنْتَ رَفَعْت هَذِهِ بِلَا عَمَد أَوْ فَوْق ذَلِكَ بَانِيَا وَقُولَا لَهُ هَلْ أَنْتَ سَوَّيْت وَسْطهَا مُنِيرًا إِذَا مَا جَنَّك اللَّيْل هَادِيَا وَقُولَا لَهُ مَنْ يُرْسِل الشَّمْس غَدْوَة فَيُصْبِح مَا مَسَّتْ مِنْ الْأَرْض ضَاحِيَا قُولَا لَهُ مَنْ أَنْبَتَ الْحَبّ فِي الثَّرَى فَيُصْبِح مِنْهُ الْعُشْب يَهْتَزّ رَابِيَا وَيُخْرِج مِنْهُ حَبّه فِي رُءُوسه فِي ذَاكَ آيَات لَمَنْ كَانَ وَاعِيَا وَقَوْله تَعَالَى " ثُمَّ اِسْتَوَى عَلَى الْعَرْش " تَقَدَّمَ تَفْسِيره فِي سُورَة الْأَعْرَاف وَأَنَّهُ يَمُرّ كَمَا جَاءَ مِنْ غَيْر تَكْيِيف وَلَا تَشْبِيه وَلَا تَعْطِيل وَلَا تَمْثِيل تَعَالَى اللَّه عُلُوًّا كَبِيرًا وَقَوْله " وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر كُلّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى " قِيلَ الْمُرَاد أَنَّهُمَا يَجْرِيَانِ إِلَى اِنْقِطَاعهمَا بِقِيَامِ السَّاعَة كَقَوْلِهِ تَعَالَى " وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا " وَقِيلَ الْمُرَاد إِلَى مُسْتَقَرّهمَا وَهُوَ تَحْت الْعَرْش مِمَّا يَلِي بَطْن الْأَرْض مِنْ الْجَانِب الْآخَر فَإِنَّهُمَا وَسَائِر الْكَوَاكِب إِذَا وَصَلُوا هُنَالِكَ يَكُونُونَ أَبْعَد مَا يَكُون عَنْ الْعَرْش لِأَنَّهُ عَلَى الصَّحِيح الَّذِي تَقُوم عَلَيْهِ الْأَدِلَّة قُبَّة مِمَّا يَلِي الْعَالَم مِنْ هَذَا الْوَجْه وَلَيْسَ بِمُحِيطٍ كَسَائِرِ الْأَفْلَاك لِأَنَّ لَهُ قَوَائِم وَحَمَلَة يَحْمِلُونَهُ وَلَا يُتَصَوَّر هَذَا فِي الْفَلَك الْمُسْتَدِير وَهَذَا وَاضِح لِمَنْ تَدَبَّرَ مَا وَرَدَتْ بِهِ الْآيَات وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة وَذَكَرَ الشَّمْس وَالْقَمَر لِأَنَّهُمَا أَظْهَر الْكَوَاكِب السَّيَّارَة السَّبْعَة الَّتِي هِيَ أَشْرَف وَأَعْظَم مِنْ الثَّوَابِت فَإِذَا كَانَ قَدْ سَخَّرَ هَذِهِ فَلَأَنْ يَدْخُل فِي التَّسْخِير سَائِر الْكَوَاكِب بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى كَمَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى " لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ " مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ " وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم مُسَخَّرَات بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْق وَالْأَمْر تَبَارَكَ اللَّه رَبّ الْعَالَمِينَ " وَقَوْله " يُفَصِّل الْآيَات لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبّكُمْ تُوقِنُونَ " أَيْ يُوَضِّح الْآيَات وَالدَّلَالَات الدَّالَّة عَلَى أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَأَنَّهُ يُعِيد الْخَلْق إِذَا شَاءَ كَمَا بَدَأَهُ .
none
Facebook Twitter Google+ Pinterest Reddit StumbleUpon Linkedin Tumblr Google Bookmarks Email

كتب عشوائيه

  • الإسلام والمرأة

    الإسلام والمرأة: تحتوي هذه الرسالة على ستِّ مقالاتٍ حول المرأة في الإسلام، وهي: 1- ميراث المرأة بين الإسلام والأديان الأخرى. 2- الرد على شبهة تحريم زواج المسلمة من غير المسلم. 3- الرد على شبهة فتنة المرأة، ومعنى أنها تُقبِل في صورة شيطان. 4- تعدد الزوجات في الإسلام والديانات الأخرى. 5- الرد على شبهة أن ميراثَ الأُنثى نصف ميراث الذكر. 6- الرد على شبهة صوت المرأة عورة، ومعنى أنها خُلِقت من ضلعٍ أعوج.

    الناشر: موقع رسول الله http://www.rasoulallah.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/381129

    التحميل:

  • التفسير الميسر

    التفسير الميسر: تفسير متميز كتبه نخبة من العلماء وفق عدة ضوابط، من أهمها: 1- تقديم ما صح من التفسير بالمأثور على غيره. 2- الاقتصار في النقل على القول الصحيح أو الأرجح. 3- إبراز الهداية القرآنية ومقاصد الشريعة الإسلامية من خلال التفسير. 4- كون العبارة مختصرة سهلة، مع بيان معاني الألفاظ الغريبة في أثناء التفسير. 5- كون التفسير بالقدر الذي تتسع له حاشية مصحف المدينة النبوية. 6- وقوف المفسر على المعنى المساوي، وتجنب الزيادة الواردة في آيات أخرى حتى تفسر في موضعها. 7- إيراد معنى الآية مباشرة دون حاجة إلى الأخبار، إلا ما دعت إليه الضرورة. 8- كون التفسير وفق رواية حفص عن عاصم. 9- تجنب ذكر القراءات ومسائل النحو والإعراب. 10- مراعاة المفسر أن هذا التفسير سيترجم إلى لغات مختلفة. 11- تجنب ذكر المصطلحات التي تتعذر ترجمتها. 12- تفسير كل آية على حده، ولا تعاد ألفاظ النص القرآني في التفسير إلا لضرورة، ويذكر في بداية تفسير كل آية رقمها. - ملحوظة:الملف الوورد منسوخ من الطبعة الأولى، أما ملف pdf فنسخة مصورة من الطبعة الثانية وتتميز بجودتها العالية.

    الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف www.qurancomplex.com

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/229635

    التحميل:

  • رسالة واحدة فقط!

    رسالة واحدة فقط!: بعد خلق آدم - عليه السلام - رسالة واحدة أصيلة حُملت إلى الناس عبر تاريخ البشرية، ومن أجل تذكير الناس بهذه الرسالة؛ أرسل الإله الواحد الأنبياء والرسل مثل آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد - عليهم الصلاة والسلام -؛ لتبليغ رسالة واحدة هي: [ الإله الحق واحد فاعبدوه ]. إن الكتب المقدسة لدى اليهود والنصارى والمسلمين تشهد جميعها بوجود الله وتوحيده. لذا كان هذا الكتاب الذي يوضح باختصار حقيقة هذا الرسالة الواحدة، وها هي - الآن - مترجمة بالعديد من اللغات؛ حتى يتيسر نشرها بين الناس.

    الناشر: موقع مبادئ الحقيقة http://www.abctruth.net

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/58121

    التحميل:

  • إنه الحق

    إنه الحق: هذه الرسالة عبارة عن أربعة عشر محاورة مع علماء كونيين في مختلف التخصُّصات - من غير المسلمين -، وكان الغرض منها معرفة الحقائق العلمية التي أشارت إليها بعض الآيات القرآنية، مع بيان أن دين الإسلام حثَّ على العلم والمعرفة، وأنه لا يمكن أن يقع صِدام بين الوحي وحقائق العلم التجريبي.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/339048

    التحميل:

  • البراهين الإنجيلية على أن عيسى عليه السلام داخل في العبودية ولا حظ له في الألوهية

    هذه رسالة لطيفة مختصرة ناقش فيها الشيخ - رحمه الله - دعوى النصارى من كتابهم، وبيَّن كذبَهم وتلبيسَهم، فأوضَحَ: 1- إثبات عبودية عيسى - عليه السلام - من كتابهم الإنجيل مع ما حصل عليه من التحريف والتزييف. 2- الأدلة البيِّنة من الإنجيل أن عيسى - عليه السلام - من البشر. 3- كشف أسطورة صلب المسيح وبيان وهنها وضعفها. 4- تبشير الإنجيل - على ما فيه من تحريف - بنبوَّة محمد - صلى الله عليه وسلم -. 5- بيان بعض حكاياته مع بعض مُتعصِّبة النصارى ورد شيءٍّ من شُبَههم. 6- العتب على المسلمين لتقصيرهم في هذا الجانب.

    المصدر: http://www.islamhouse.com/p/343862

    التحميل:

اختر سوره

اختر اللغة